خالد الفيصل: الاقتصاد عصب الحياة.. والنقلة الحضارية تتطلب تكريس الاستقرار

أوضح مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أن ما يشهده العالم اليوم هو حالة مرحلية وفترة زمنية لنقلة حضارية يصنعها الإنسان ترتكز على ثلاثة عناصر، هي الاقتصاد الذي هو عصب الحياة ومنطلق الحضارة، والثقافة والإدارة.

جاء ذلك خلال رعايته أمس، انطلاق فعاليات منتدى جدة الاقتصادي 2016، تحت عنوان «شركات القطاع الخاص والعام.. شراكة فعالة لمستقبل أفضل»، بحضور رئيس وزراء ماليزيا محمد نجيب تون عبدالرزاق، ونائب رئيس وزراء تركيا محمد شيمشك، ووزير التجارة والصناعة الدكتور توفيق بن فوزان الربيعة، ورئيس مجلس إدارة غرفة جدة صالح بن عبدالله كامل، وذلك بفندق الهيلتون بمحافظة جدة.

وأضاف الأمير خالد الفيصل في كلمة تنشرها «عكاظ» نصا: «لكل تحول حضاري أزمات ولكل مسيرة وقفات، وللتحول حالات وظروف وفكر، ولقد سبق أن صنعنا التحول وقدناه وأحسنا القيادة فأحكمناه، فكان عبدالعزيز بن عبدالرحمن رجل الزمان والمكان».

وأردف: «مرت بنا فترة من الأمن والاستقرار، وطفرتان من ثروة المال والإعمار استثمرنا بعضها وأهدرنا بعضها، وعلينا أن نستفيد من دروسها، فالوضع اليوم خطير، والهجمة شرسة، لها عقول خارجية وأذناب داخلية، تديرها دول ومؤسسات وينفذها مرتزقون بإتاوات هدفها الاهتزاز واختلال التوازن».

وأخيرا قال: «فلنفكر في الأمر بروية، ولتكن نظرتنا واقعية، فالتحول بدأ، والوضع الجديد نشأ، فلا بد من استكمال التنمية لتحقيق الأمنية». فإلى كلمة أمير مكة التي تنشرها «عكاظ» نصاً:

«أنا لا أكتـب بالحروف أوهاماً .. ولا أنسج من الأفكار أحلاماً .. وإنمــــا ... أستخلـــص مــن عبر الزمان دروسا .. وأزيّن من ومضات الفكر عروسا .. أرسلهــا مع ســـاري العمـــر ألحانــا .. لأهـــل الـــرأي والفكــــــر أشجانا ...

إنها حالــة التَحوّل!! ومـــا أدراك ما حــالــــة التحـــــوّل!؟ هي حالة مرحليه وفترة زمنيه لنقلة حضاريه يصنعهـــــا الإنســـان أو يفـــرضهـــا الزمــــــان .. وفي نظــري أنها ترتكز على ثلاثة عناصر: ثقـــافـــة .. واقتصــاد .. وإداره، الثقافه: روح وفكر وسلوك.. لأنهــــــا ديـــن وتعلـــم وإعـــلام .. والاقتصاد: مال وتجاره .. وهو عصـب حياة ومنطلـــق حضاره.. والإداره: رأس الأمر في كل صدد.. فإذا صلـــح الـــرأس صلـــح الجســـد .. يحسبــها الجاهلــــون مغنم فترة زمنيه.. ويعرفها العالمون بحالات عصف عتيه ..

فيها صدمات اجتماعيه.. وتقلبات اقتصاديه.. وهزات ثقافيه .. ولكن فيها أيضاً .. إمكانات إبداع فكريه ..

وأضاف: وعلمنا التاريخ .. أن لكــــــل تحـــول حضـــاري أزمـــات .. ولكل مسيرة _ ولو نجحت _ وقفات .. وللتحــــول حالات وفتـــرات وظـــروف.. ولــه عقــل وقلـــب وفكـــر وسيــــوف .. وله آليــات ودواعـي .. وما يستدعيه داعي .. وما ليس له داعي ..

ولقد عانــت منــه مجتمعات أوروبا، قبل أن تشفى بنهضة وتهنأ بغمضـه .. وكــــم استغــرقت فيــه مـــن الوقـــت أمريـــكا ..

قبل أن ترقى من راعي البقر إلى حاكم البشر .. وكم من صدمة ووصمه .. تجرعتها تلك المجتمعات .. لتشرع المحرمات وتبيح الموبقات .. وكـــم بـــذلوا فيــــها مــــن الجهـــد والعمــــــل والتضـــحــــــيه.. حتى أصبحت سلطــة مـــدويه .. تصنـع ما تـريد فيمــن لا تريــد..».

وعن التحول في المجتمعات قال سموه:

«هكذا حل التحوّل في كل المجتمعات.. وأحدث الكثير من التغيرات والتقلبـات .. في جميع القارات .. إن قــاده العقـل وحَكَمتــه المبادئ .. أصـاب.. وإن قاده الجهل وحَكَمته المساوئ .. أعاب.. ولقد سبق أن صنعنا التحول .. وقدناه وأحسنــا القيادة فأحكمناه .. فكان عبدالعزيز بن عبدالرحمن .. رجــل الزمــان والمكـان .. جمع الأفراد والقبائل والإمارات .. ثم سلطنة نجد ومملكة الحجاز .. فأســس دولـه .. لها صولـة وجولـه .. لكنها كانت أكبر من إدراك بعض أهــل زمانـه .. فكـانــت الفتـــنـــه .. أسبابها جهـــل طغمــــه .. غايتهـــا اقتســام سلطه .. وبرز القائد في الشدائد .. فألجم التمرد بالعنان وحسم الأمر بالقوة والحكمة والجنان.. فنجحت الوحدة .. واستتــب الأمــن وفشــلت الرده.. وبعد فترة أمن واستقرار وأمان غزانــا تحـــوّل يفرضـــه الزمان عندما ترامى بعض العرب في أحضان الاشتراكية نكاية في قوى الغرب الاستعماريه .. فغــــزتنـــا الشيــوعيــــــــة الإلحاديـــه .. فتمدد الغزو خارج حدود من دعاه إلــــى مـن تمنى الغازي دخول حماه فتصدت له قوة الإيمان السعوديه بحكمــة قياديــه وإرادة شعـــــبيه مستثيــرة نخوة الإسلام في معقله وحمــــيـــة العــربــــي في مأصــــــله وابتــدأ الخيــــــر يتــــدفـــق .. والعلم والمال والبناء يتألق .. ولكن الذين هربوا بدينهم وأضفناهم .. خانــــــــوا كـــــرم مــــــــن آواهــــم .. فبذروا جرثومة التكفير والتمرد في عقول الجاهلين ومن بهم تردد.. فحولوا الدعوة إلى الله .. إلــى جهـــاد عبــــاد الله .. فتنكر الغر الجاهل على أهله .. وخـــان وطنــــه ودولتـــه وأرضــه .. واحتل جهيمان الحرم وكذب وادعى وظلم .. وهزم الرجل ومضى.. ولكن فكره بقي وطغى.. فانطلقت أكذوبة الصحوة في حالة غفوه.. وكادت أن تكون كبوه.. لولا لطف من الله .. ثم وقفة ثبات من المتفقهين في كتاب الله .. ورفــض التطـــرف مــــــن عاقــل عبـــاد الله .. ومـــرت بنــا فتـــرة مــن الأمــن والاستقرار.. وطفـــرتان مــــن ثــــــروة المـــال والإعمـــــار.. استثمرنا بعضــــهـــا وأهـــــــدرنا بعضـــــــها.

وعلينا أن نستفيد من دروسها، فالوضـــع اليوم خطير .. والهجمــة شرسـه .. والشر مستطير .. والجرثومة نجسه .. لها عقـول خارجيه .. وأذناب داخليه .. تديــرها دول ومؤسســـات وخبــرات .. وينفذها مرتزقون بإتاوات .. هدفهــا الاهتـزاز والابتزاز .. واختلال التوازن بتشكيك المواطن .. واتهام المسؤول بالتهاون .. سخروا الإعلام لاستثارة الأنام .. وزخرفوا الكلام ولفقوا الاتهام..

ولا بد لنا أن نعترف: بأننا اليوم أمام تحوّل اجتماعي سريع .. وانقســــــام فكـــــري وثقــــافي مـــــريع .. ومع أن الغالبيه تتمسك بالمبادئ الإسلاميه .. القائمـــــة على منهـــج الاعتــــدال والوسطـــيه .. إلا أنه على الشوائب والشـذوذ تجتمع ضالــتان .. فهذا تكفيري وهذا انحلالي وكلاهما قاتلان .. فمـــاذا يحـــــدث اليــــوم؟!

الوقت أسرع مما كان.. والويل لمن لا يفهم الزمان ويحمي المكان.. أصبحنا جزءا لا يتجزأ من العالم .. والأخطـــار من حولنــــا تتفـــــاقــم .. وأمسينــا محــــور اهتمــــام عالمي.. ليـــس إعجـــاباً بنـــــا .. وليـــس إيجـــاباً .. سمه ما شئت!! لكن سلبيته طاغيه .. ومبرراته واهيه.. ورياحه عاتيه.. فلنفكر في الأمر برويه .. ولتكن نظرتنا واقعية.

التحوّل بدأ .. والوضع الجديد نشأ .. فلا بد من استكمال التنميه .. لنحقق الأمنيه .. فلنتمسك بالإسلام عقيدة وحصانه وننفتــــح على العالـــم بثقـــة وأمـــانه.. ولا نخشى الاستفادة من مكتسبات العصر.. مع الثبـــات على مبـــادئنا بكـــل فخـــــر.. ولا بأس من أخذ المفيد من تجارب الغير.. فليـــس في طلــب العلــــم والخبــــرة ضــير.. نأخــذ منــــــها ما نـــريد عـلــــــى هـــــــــــوانا.. ولكن لا نسلم لحانا لمن يريد لها الهــوانا.

 
 

احفظــــــــوا الله يحفظــــــكم.. واشكروه على نعمه يزدكم.. ولنعلم أن الله ما أعزّنا إلا بالإسلام.. والسلام».

 

صحيفة عكاظ

http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20160302/Con20160302827198.htm